قالوا

 يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.

الأستاذ علي السكري
من الذي صام؟ الدرازيون أم النعيميون؟   |    في ذمة الله الشَّابة زهراء عبدالله ميرزا صالح   |   ذمة الله تعالى الحاجة جميلة حسن عبدالله    |   على السرير الأبيض الحاج خليل إبراهيم البزاز أبو منير    |   برنامج مأتم الجنوبي في ذكرى ولادة السيدة الزهراء    |   في ذمة الله حرم الحاج عبدالله سلمان العفو (أم ياسر)   |    في ذمة الله الطفلة زهراء جابر جاسم عباس   |   نبارك للأخ الطالب محمد حسن علي ثابت حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال    |   رُزِقَ الأخ عبدالله علي آل رحمة || كوثر || 12/12/2021   |   دورة تغسيل الموتى    |   
 
 الصفحة الرئيسية
 نبذة تاريخية
 أنشطة وفعاليات
 مقالات
 تعازي
 شخصيات
 أخبار الأهالي
 إعلانات
 النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية
 ملف خاص
 خدمات الشبكة
 المكتبة الصوتية
 معرض الصور
 البث المباشر
 التقويم الشهري
 أرسل خبراً
 اتصل بنا
 
مقالاتالأستاذ كريم المحروس
 
النمل الأصفر يغزو دار الحكومة
الأستاذ كريم المحروس - 2008/01/05 - [الزيارات : 5461]

النمل الأصفر يغزو دار الحكومة

كريم المحروس


لا يعرف سمو وقدر قيم الإستقرار الإجتماعي المؤسَس على قواعد سياسية تعاقدية متينة إلا من افتقد آثارها اللطيفة ولا عهد له بمذاقها فلم يألف في اليوميات إلا وحشة العزلة والإنطواء على الذات التي ربما كانت أسبابها قهرية، كالطائفية الدينية أو السياسية أو العنصرية أو العرقية، أو غير ذلك من أسباب التمييز المقيت.

ومن دلائل ثبوت هذا الاستقرار في مجتمع القيم العليا في الدولة؛ النمو المطرد في العلاقات الإنسانية بين المواطنين، في مقابل قيم مجتمعات رأس المال الجشع بنظمه النظرية المشوهة، فضلا عن قيم المجتمعات التي يتحكم فيها مزاج حكم الفرد المطلق السامي، حيث تنمو تحت سقفهما علاقة المواطن الفرد مع حكومته نموا مطردا حتى يصبح كلاً عليها في كل تفصيلات حياته ونظمها وضروراتها، فتضمر في ذاته صيغ العلاقة السوية بمحيطه الاجتماعي شيئا فشيئا إلى أن تصل إلى أدنى مستوى لها، ما يعزز من هيمنة السلطة وقوانينها. فإذا ما كان المجتمع غير ذي حظ وافر فكانت سلطته محصورة في الفرد المستبد المطلق السامي؛ شاع الضعف في بنية هذا المجتمع وتهتكت القواعد السياسية لدولته، وعمت الفوضى أو نامت خلاياها لحين ظرف الأزمات.

وفي مثال مستعمرات النمل المثير: كنت لامست وقائع هذه الحياة المعقدة عن قرب وبشكلها الحاد جدا لمدة تجاوزت عشر سنوات تقريبا في العاصمة البريطانية، فكانت على خلاف قيمنا وعاداتنا الإجتماعية التي نؤمن ونتمسك بها في بلادنا بالرغم من ظروفنا السياسية السيئة والمعقدة. فلا جاري كان جاري، ولم أكن جارا لجاري بحسب قيمه الاجتماعية، والبيتان كانا متجاورين من نوع (Semi detached).. حتى أصبحنا على مفاجئة لم يكن أحدنا يتوقعها خلال صيف لندن في العام 1996م، إذ تعرض بيتي وبيت جاري لمعركة غزو شاملة تزعمها نمل بحراني أصفر اللون، ما كنت أستبعد أن يكون هذا النوع من النمل وفد إلينا عبر إحدى حقائب سفرنا، وربما كانت إحداها تحمل زوجا شابا خصبا، فتكاثر النمل تحت القواعد الخشبية القديمة لبيتنا ثم انتشر حتى غزا بيت جارنا.

استعملت كل أدواتي التقليدية للقضاء على هذا النمل الذي أبى إلا أن يشاركنا حياتنا اليومية وينغصها علينا، لكنني عبثا فعلت.. فشلت.. فرفعت الراية البيضاء لوحدي بعد تفاقم الأمر. وهكذا كانت الحال عند جاري، وكلانا لا يعلم شيئا عن الآخر، ولا عن فشله، ولا عن حجم هذه المعركة في البيتين، ولا شدة ضراوتها ضد تكاثر وانتشار مستعمرات النمل، حتى زارتنا موفدة عن قسم مكافحة الحشرات بطلب منفرد من قبل جاري الذي لم أتلق منه تحية ولا سلاما منذ عشر سنوات. فأطلعتني الموفدة منفردا على أحوال جاري ومعاناته من هول حركة النمل وسطوته في كل أنحاء بيته، ثم أشارت إلى أن الظرف الصحي للمنطقة يتطلب مسائلة الجارين في سرية تامة وما إذا كنت أشكو بالفعل من هذا الغزو مثل جاري. فاعترفت لها بالحقيقة المرة وشدة معاناتنا أيضا لهذا الغزو المرعب.

ومن بعد المسائلة؛ أكدت الموفدة بأن الحل الضروري في مثل هذا الموقف لا يكمن في القضاء عليه في بيت جاري فحسب، ولا في بيتي فحسب، ولا بالوسائل التقليدية، فلا بد من تنظيم الأمور وتكاتف الجهود بين أفراد كلا البيتين مع الموفدة. فسلّم كلانا منفردا لهذا الأمر. ثم اصطيدت نملة واحدة وأخذت كعينة مختبرية. وفي اليوم التالي اصطحبتْ الموفدة معها علبا صغيرة تحوي مادة خاصة للقضاء على النمل في مستعمراته كليا. ثم انتهى كل شيء، وجاري على عادته وتقليده الحضاري!..لا سلام ولا تحية.. و"داره عنده قبل داره ولا جار" ، ولا عبرة من مصائب النمل ولا مصائد لها تشد هذا الجار إلى قيم العلاقات الإنسانية وأهميتها.

"الدار قبل الدار.. وإن كان لابد من جار، فهي الحكومة حصرا".. وفي التأويل كنت أستمع لصديق معارض في مرحلة صراع السبعينات يكتفي بالتأكيد على القول: إن هذا الشعار تَميُز بشع في الفكر السياسي الأموي أبدع فيه معاوية الذي لم يكن يرى في ذاته إلا وحدة ذات إلهية غير مركبة من وطن ومواطنين، على هيئة "وحدة الوجود والموجود" عند العرفاء. وإن شاء معاوية أن يتنزل، فليس الوطن ومواطنوه عنده إلا ظلالا له في مرايا، ولا حقيقة أو ماهية للجماعة السياسية الواحدة عنده، كما لا قيمة لها في الذهن ولا وجود لها في خارجه!. فضاقت بلاده على المتشرعين والمعارضين بأشكالهم المختلفة وعم القتل والتشريد والاعتقال بينهم، ووسعت الدنيا مواليه وأتباعه فهم ظلاله وغيرهم عدم. ومازال معاوية ثم ابنه يزيد على ذلك حتى سرت بشاعة هذا التميُز الأموي في كل بلادنا، ووصلت في أسوء صورها إلى جزيرتنا فأحكمت إقامتها منذ تبلور مظاهر الدولة في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، ثم من بعد نشوئها المستقل في السبعينات على أنقاض حركة شعبية معارضة نشأت طلائعها في عشرينات القرن الماضي.

جُوبه شعار"الدار قبل الدار" منذ ذلك الوقت بقيمة إنسانية عظمى عرفها مجتمعنا بكل تفاصيله المذهبية، وصُرح بهذه القيمة من قبل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في اختصاص مكانة الجار وعظم شأنه حينما قال: "الجار قبل الدار". فكيف بمكانة الجار في دائرة الوطن الأوسع تنتهك وهو الذي هدفت التشريعات السماوية والوضعية منحه الأمن والأمان والإستقرار، وكفالة حقوقه وإعانته على أداء واجباته.. ولك أن تستوحي من هذه القيمة في أي بعد تنشد، ولا صحة للقائلين بحصر هذه القيمة في البعد الإجتماعي. وفي بعدها السياسي تجد هذه الكلمات نقيضا لكل ممارسة عرفية قبلية وفئوية طائفية دينية أو سياسة تتحكم في البلاد والعباد وتنسبهما إلى مُلك ذاتها.

فإذا كان الإستقرار الإجتماعي يستوجب أن يقدم صاحب الدار جاره على داره حتى يسود الإطمئنان فئات المجتمع ويرتفع الحرج عند المشكلات الصغرى المشتركة، أفلا يستوجب إشاعة الإستقرار تسليم الحكومة لمتطلباته وضروراته فتَقدم على احترام مصلحة "الجار" المواطن وتبجيلها عند المشكلات الكبرى؟!. وأما من يعتقد في السلطة والقدرة إمكانية قيام الوحدة في الذات ممثلة في"وطن السلطة" لا "سلطة الوطن" وذلك من خلال الإبتذال السياسي في معالجة الأوضاع الأمنية، أو الانقلاب العاتي في التعاقد الإجتماعي والقانوني والإعلامي، أو من خلال تسطيح وقائع التخلف السياسي وإظهارها على غير ما كانت عليه؛ فقد أذِن باضطراب وفوضى لا أمد ولا اضمحلال لهما.

حدث وأن استحسن صديقي الوفي خطبة حماسية لهند بنت عتبة حفظها عن ظهر قلب. وبعد انتهاء مناوشات سياسية في قرية السنابس أُججت لها أسلحة قوات أمن متعددة الشُعب ومختلفة الإختصاص ومؤلفة من متجنسين وحشيين أحالوا السياسة إلى شغب وقذائف مسيلة للدموع غطت المناطق السكنية شديدة الإكتظاظ بالسكان؛ سمعت الصديق هذا يردد كلمات هند على لسان الحكومة وبلحن لسانه وبألفاظ مختلفة: "الدار الدار.. الدار أولاً ثم الدار.. ولا جار قبل الدار، ثم لا دار بعد الجار، بل الدار الدار.. ويحا بني عبد الدار.. ويحا حماة الأديار.. ضربا بكل بتار. نحن بنات طارق.. نمشي على النمارق..الدر في المخانق.. والمسك في المناطق.. إن تقبلوا على دارنا نعانق ونفرش النمارق.. وإن تدبروا إلى جارنا نفارق.. فراق غير وامق"!.

فأمام تطور نتائج الحوادث الأخيرة التي أثبتت أن "الدار دار حرب على الجار" في تميز حكومي مجحف؛ بدت حكومتنا أنها تنزع في أدائها السياسي الوظيفي إلى انتهاج سلوكها القديم سيئ الصيت، فهو خليط جامع بين ما هو أمني قبلي أضاع ثقافة البداوة العربية في زحمة توتر الأوضاع الداخلية المستدامة وأزمة نفي حقائق الوجود السلمي المعارض، وما هو أمني طائفي وفئوي متطرف يميل إلى اتباع ردود فعل عنيفة بهيئة المافيا الإيطالية في موضع المنافسة السياسية، بلا حساب لأي قاعدة أو أساس بنيوي يرجى له المتانة والإعتماد في تحديد هوية الدولة الحديثة وتشييد قوامها الديمقراطي. فتحسب الحكومة - كما عهدتنا في الثمانينات والتسعينات- كل صيحة عليها وإن صدرت عن مظهر من مظاهر التمدن الإجتماعي الداخلي الذي نما مستقلا عن أثر الحكومة منذ عام الفداوية 1783م ولم تدرك حكومتنا معاني هذا التمدن وشذت عنه، وتعاطت معه بوجه سلبي، وعبئت قواها الأمنية وحلفاءها طائفيا في الضد منه، ولازمت ذلك بأحكام إعلامية مبتذلة لا هم لها إلا تسويق تهمة استهداف قواعد الدولة وتقويض مشروع الإصلاح السياسي وممارسة العنف المفرط في الضد من رجال الأمن والإخلال بالنظم الإجتماعية والسياسية والإقتصادية بلا مبررات مقنعة أو أسباب موضوعية دافعة!.

إن ردود الفعل العنيفة للسلطات الأمنية في مثل هذه الظروف الحضارية التي لعبت فيها "حرب الصورة" دورها الكبير والمشرف في الكشف عن حقائق العنف الحكومي غير المبرر، وبهذه السياسات الإدارية والاقتصادية المتخلفة؛ إنما تدين السلطات بفعلها هذا تاريخها غير المشرف وواقعها المضطرب بأدوات حكومتها. فذووا المتابعات والدراسات السياسية والإقتصادية الإستراتيجية لا خيار لهم وفق هذه المعطيات السلبية المكشوفة على الساحة البحرانية إلا التشكيك المبرر في الكفاءة السياسية والإقتصادية والأمنية للحكومة والقائمين عليها. وكلما جرت مثل هذه الحوادث المثيرة التي توظف الحكومة كل طاقتها في الضد منها، يتساءل المواطنون والمتابعون الاستراتيجيون من خلفهم: أين مظاهر الإصلاح، ألم تكفكم مائتان وأربع وعشرون سنة حتى تفي هذه السلطة بمسؤولياتها لبناء مجتمع حضاري ذي نظام سياسي مستقر على ظهر هذه الجزيرة؟!.. وأين موارد وطاقات هذه الجزيرة من كل ذلك؟ّ.. لماذا تدخل هذه الجزيرة العقد الأول من الألفية الثانية بانشغالات أمنية تقليدية تتسبب في قتلى وجرحى واعتقالات واسعة بلا مبرر؟!.. لماذا الغي قانون أمن الدولة على ملأ من الناس ثم أقرت نصوصه مرة أخرى مجزأة في طي قوانين أمنية أخرى مختلفة؟!.. لماذا فشلت السلطات في توزيع ثروات البلاد توزيعا عادلا ومنصفا على شعب لا يزيد عدد سكانه النصف مليون وجزيرته تمتلك من الثروة النفطية والموقع الاستراتيجي المربح ما يفوق حاجتها؟! .. لماذا تعبّئ كل طاقات البلاد الأمنية والعسكرية والإعلامية لمعالجة مسيرات سياسية فتتظاهر الحكومة بسببها على قرى بأكملها لتفرض عليها حصارا وعقاب جماعيا بقذائف الغاز المسيل للدموع وببرامج إعلامية توحي دائما باتهام مطلق لطائفة دينية بعينها بالخروج والتمرد على القانون؟! .. لماذا تتهرب السلطات عن مسؤولياتها إزاء حقوق المواطن وتمعن في رفض التساوي في المواطنة بين كل المواطنين؟!..لماذا عمّرت هذه السلطة مائتين وأربع وعشرين سنة ولم تزل تخشى من إصدار قانون انتخابي يتماشى مع المبادئ الديمقراطية ، كما تخشى من تشكيل مجلس تأسيسي لإعداد مسودة دستور جديد يستفتى فيه شعب الجزيرة تمهيدا لتأسيس مجلس نيابي عادل؟!.. وغير ذلك من التساؤلات المثيرة التي باتت تتكدس يوما بعد يوم أمام الرأي العام المحلي والدولي وتعكس آثارها السلبية على الإقتصاد المحلي والتمثيل الدبلوماسي والتبادل الحضاري الثقافي.

كل هذه التساؤلات المشروعة لابد وأن تنتهي إلى نتيجة مفادها: أن ما يجري في هذه الجزيرة لا ينشد سيادة الإستقرار الإجتماعي، وربما يهدف إلى صناعة وطن لا يمكن وصفه إلا بصفة”الوطن المستبد”ذي اللون القبلي الطائفي الواحد الخاص الذي يتحسس لأي بناء أو أداء طائفي تعددي فاعل سياسيا. وفي المقابل يقف مجتمع البحرين حائرا أمام هذه الظاهرة الخطيرة بعد أن أتاح للسلطات الكثير من فرص الحوار السياسي وسجل وثائقها من أجل إثبات حسن النوايا!. إضافة الى ذلك، كافح هذا المجتمع منفردا من أجل بناء وحدته الاجتماعية وتعزيز تماسكه، وبذل في ذلك الجهد المستحيل، في ظروف محكومة بعزلة سياسية ضُربت كحد فاصل حال بينه والتأثير في مصادر القرار السياسي منذ ما قبل صدور الإعلان بنشوء الدولة المستقلة. ثم نشهد بعد ذلك ظاهرة حكومية سُجلت فيها أنباء موثقة عن تأسيس منظمات سرية هادفة إلى تدمير كل قيم تلك الوحدة الإجتماعية واستقرارها، واستبدالها بمركزية أمنية حكومية متخلفة موجبة لتنازل المواطنين عن حقوقهم المدنية ولاستغنائهم عن تنظيم شبكة علاقاتهم المذهبية التقليدية وفق القيم والمبادئ التي يؤمنون وما توحي إليه من التزامات سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية حثت على الدفاع دون الحرية والعزة والكرامة، - ومن ثم تعزيز دور"الطائفة الحاكمة"، أو صناعة توازن طائفي سلبي مدجّن للإرادة الموطن وتسليم عقالها لمؤسسات حكومية ذات لون طائفي سياسي وأمني خاص وإطلاق دورها للتدخل في كل شأن من شؤون المواطن وسلب حقه ومنعه حتى من التفاعل مع محيطه الإجتماعي فضلا عن التبين في حقائق الوضع السياسي والأمني الداخلي وحوادثه.

كل ذلك لم ينف الإعتقاد بأن للمراحل النضالية لمجتمع البحرين تميزها السياسي والاجتماعي الحضاري الخاص جدا بالرغم من الأداء السياسي والأمني السيئ للحكومة فضلا عن الإخفاقات التي منيت بها الأطراف المعارضة. حيث أفصح هذا التميز عن سلطة اعتادت أن تعي أهمية تكريس البعد المدني والحضاري في حياة الجماعة السياسية الواحدة التي يمكن لها أن تشكل القوام الحسن للدولة الحديثة في البحرين، وأن لا حياة مستقرة لهذه الدولة إلا بتعميم مبادئ العدالة والتنمية الشاملة بكل متطلباتها العلمية والإنسانية على الصعد الإجتماعية والإقتصادية والثقافية والسياسية، وأن لا سبيل للأمن السياسي إلا بإشاعته بين جميع الفئات الدينية والسياسية التي يتشكل منها مجتمع البحرين. ولكن السلطات جبلت على عاداتها وتقاليدها القديمة ولم تخرج عن دوائرها، فتنكرت لكل هذه الأبعاد الحضارية في عالم لم تعد فيه السياسات الحضارية بمختلف صورها خافية على أحد، بل توحدت فيها السياسات أو تقاربت لأجل صيانة المصالح المتبادلة.

ومع هذا النكران الصريح والمجحف، كشفت الوقائع على ظهر هذه الجزيرة وأثبتت أن مشاريع الإصلاح إن لم تكن صادقة في مراميها ولم يُرد لها أن تأخذ بعدها التكاملي من حيث سلامة صدور وثائقها الإجتماعية عبر الآليات المشروعة، ومن حيث حسن السرائر والنوايا عند ذوي المشاريع هذه، وحيث الإيمان بتكوين إداري حكومي كفء خاضع لحق النقد والإستبدال الوظيفي عند الفشل والإخفاق بلا سمو وسيادة لمدى الحياة عند المتصدي لها؛ فإن القواعد التي شيدت عليها مشاريع إصلاح هذه الدولة المنكوبة سياسيا وأمنيا تظل معرضة للإهتزاز أو الإهتراء وإن لاحت في الأفق بوادر تحسن في الأوضاع المعيشية ونمو في الشبكة الإدارية للدولة.

وأما مفاهيم "الدار الدار.. وضربا بكل بتار" و"ليس في الدار إلا أنا الديار السامي ولا جار" فتخفي عصبية قديمة وتطرفا قبليا تقليديا لن يصمدا على سريتهما وإن أخفيا ما أخفيا، كما أنها مفاهيم احتلت في الواقع العملي مظاهر لطائفية منظمة ومستحدثة وبقاعدة بيانات اليكترونية دقيقة تسعى لنفي الإيمان بأن الجماعة السياسية الواحدة في البحرين يعنى بها كل المجتمع بلا تمييز بين طائفة وأخرى، أو طبقة وأخرى،- اضافة الى أنها مفاهيم تسعى إلى النفي بأن قوام السلطة البحرانية هي شراكة جادة لا لبس فيها بين”الدار والجار"، وأنها شراكة موصلة إلى بنيان اجتماعي عضوي لا تتميز فيه الطوائف سياسيا على بعضها، بل كل التميز في منطق ثقافي صرف تتناظر فيه الأصول أمام الحجج لا غير.

وأما في وصف مرحلتنا الحالية من بعد كل هذه الحوادث وتقدير ردود الفعل الرسمية عليها، فيمكن لنا أن نؤكد بأن سلطتنا ربما نجحت في النيل من مفاهيم الجماعة السياسية الواحدة وقيمها في العدالة والتنمية الشاملة، وأخفت وراء ذلك الكثير من المشاريع التي مازالت تدعو إلى الشك والريبة، ولم تتوان عن تعزيز أخطر بعدين قديمين كانا محل سخط عام وتوتر أمني مستدام، ولم يطرأ عليهما أي تحول بالرغم من ادعاءات الحداثة والتنمية، وكانا السبب المطلق في انسداد وعي السلطة وجمودها على السياسات التقليدية السيئة، هما: حق الفتح التاريخي للجزيرة، وحق سيادة لون طائفي سياسي واحد خاص وهيمنته على مقدرات البحرين بلا منازع دون حق بقية المذاهب والاتجاهات الدينية وأتباعها. وأما التنكر العلني والصريح للشراكة الجادة بين فئات المجتمع في تمثيل قوام الدولة فيُدّعى بأن خياراته بدأت تضعف عند السلطات لسببين وجيهين: أن رؤية المجتمعات لعالم السياسة شهدت تحولا كبيرا جدا في ظل تقدم حضاري سريع تخطى الكثير من القيم التقليدية للسياسة التي جالت العالم في القرن الماضي، حيث كان الاستبداد السياسي والطائفي والعرقي يشكل ظاهرة مقبولة دوليا إلى حد ما، ويتصور فيه حماية لكيان الدولة واستقرار محيطها الإقليمي وضمان الأمن الدولي ومصالح دوله العظمى. بينما أصبح الاستبداد السياسي القبلي والطائفي الصريح لونا من الإبتذال والتخلف لن يقارب الحديث الشريف”الجار قبل الدار”، ومصيره نمل أصفر يغزوه ويعبث في داره!.

طباعة : نشر:
 
جميع المشاركات تعبر عن رأي كاتبها
 
الاسم التعليق
حسين المحروس
التاريخ :2008-01-05
هههههه
خوش مقال يابو النمل.. لكن
جميع انواع السلطات كان فردية منذ أن خلقها الله الفرد الصمد!
سمِّ لي سلطة لم تكن منفردة بقراراتها في غير الفرد؟! سلطة واحدة فقط!! يالله عاد!!!
خميس
التاريخ :2008-01-06
بعد انته واخوك او كيفكم

صح ما فيه سلطة الا وكانت لفرد. حتى الجماعات الاسلامية تنتقد حكومة الفرد وفيهم من يمارس ابشع اشكال سلطة الفرد المطلق.

شوف مشاكلنه يا استاذ حسين في البحرين
الملك منخش ورى الحكومة وهي اداته التنفيذية وهو صاحب السلطة المطلقة واداته تمارس ما يسمى بالديمقراطية ..واحنه بعد مثلهم عندنه جمعيات وحسينيات ومساجد وغيره وكلها تتخفى خلفهم سلطة فرد مطلق الصلاحية والقرار..

والله ضيعة .. عجل وين انروح.
بس في سلطة فرد نحن انتخبناه ، وفي سلطة فرد مفروضة بالقوة .. الاول أهون!!
ولد القلاف
التاريخ :2008-01-06

السلام عليكم ، شكرا يا أستاذ كريم ، زميل الدراسة.

شدني الموضوع شد ، بسبب أنني أعاني من النمل الأبيض في بيتي ، وأنا أقراء الموضوع وبالي على الشركة التي قامت بمكافحة ذلك الوباء الذي أصاب كرباباد ديرتنا الجديدة ، هل تنجح الإبادة التي عملوها مع الضمان ، أم أن الأستاذ كريم سوف يعطينا الحل السحري.

وشكرا على الموضوع
خميس
التاريخ :2008-01-07
يا ولد الكلاف

ذكرتني .. حكومته مو بس فشلت في كل شيئ .. تره حتى النمل الاصفر فشلت في مكافحته.. حارس لايام الصيف وبتشوف الدنيه كلهه نمل اصفر واسود واحمر وكل نوع .
 
يرجى كتابة التعليق هنا
الاسم
المدينة
التعليق
من
رمز التأكيد Security Image
 
جميع الحقوق محفوظة لشبكة النعيم الثقافية © 2003 - 2024م